فضيلة سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف

شارك المقالة:
Share on facebook
Share on whatsapp
Share on twitter
Share on email

الشيخ أبو صالح سلمان الكاتب

الشيخ ابو صالح سلمان طريف الكاتب, من الأعلام الذين عاشوا في بلادنا, قبل مئات السنين, وتركوا أثرا دينياً أدبياً رائعً, ما زال متداولاً في خلواتنا ومذاكراتنا حتى اليوم, وهو (المجراوية), وهي الملحمة الدينية البطولية, التي يطرب لسماعها المؤمنون في أيام عيد الأضحى المبارك. ولد الشيخ سلمان بحاصبيا عام 1569. نشّاً الصبي سلمان في بيئة دينية محافظة, وحظي برعاية واهتمام من قبل والديه, خاصة والدته التي ذُكرعنها, انها رفضت إدخال ثمن اي بضاعة خارجية لبيتها, ولذلك ترعرع ذلك الصبي على اكل الحلال. وقامت أمه بمنحه الرعاية التوحيدية, وعوّدته الجلوس متربعاً, وتناول الطعام باليد اليمنى, والبسملة قبل البدء بأي عمل. واشترك الوالد كذلك في تربية الطفل, فكان يشاركه في مجالسة اخوان الدين في الديوان, والاستماع الى أحاديثهم ومداولاتهم. وعندما بلغ السادسة من عمره, قرر والّده ان يتعلم عند أحد المشايخ الأتقياء, وهو الشيخ سليمان غرز الدين, الذي كان ضليعا باللغة العربية وقواعدها وآدابها. وقد أصبح سلمان الطالب النجيب الفطن, المحب للقراءة والمطالعة والتعلم, وكان من أقدر الطلاب عند ذلك المعلم النابه. وبعد فترة أخذ الطالب سلمان بحفظ كتاب الله الشريف. وقطع بذلك شوطاً كبيراً, وتعكّر صفوه, بسبب وفاة معلمه الأستاذ الشيخ سليمان. وتأسّف الطالب لفراق معلمه, لكنه تمسك بأصول الدين, وتحلّى بالصبر والسلوان, وقرر ان يستمر بحفظ المعلوم الشريف, ودراسة قواعد اللغة العربية وأصولها بدون معلم, معوضا عنه بكثرة المطالعة في الكتب, التي كانت متوفرة بعهده. وفي هذه الفترة, قام بتعليم أخيه الأصغر, واسمه خير, أصول اللغة العربية وآدابها.

وفي عام 1584 وحين كان عمر سلمان خمسة عشر سنة, انتقلت عائلته الي قرية جولس واستقرت في هذه القرية الوديعة. لاحظ الشاب سلمان, والذي كان قد تضلع كثيراً في الدين, أنه لا توجد خلوة في القرية, وأن الصلاة تمارس في البيوت. فأخذ يحث الناس على إقامة صلاة الجماعة في بعض البيوت. وأخذت مواهبه الدينية تبرز وتظهر. وقد بنى شبه خلوة. وفي هذه الأثناء بنى الشاب سلمان بمساعدة والده, بيتاً له فيه ثلاثة قناطر, وعُقد قرانه على ابنة عمه سارة من حاصبيا, وحضر وقد من حاصبيا والعبّادية من افراد عائلة طريف وعائلة ماضي, واجتمعوا في البيت. وقرروا إطلاق لقب شيخ على الشاب سلمان. وبعد فترة أكرمه المشايخ بتلبيسه عباءة مميزة.

زاد الشيخ سلمان من تعمقه في الأمور الدينية, وحفظه للرسائل التوحيدية, واطلاعه على كافة المخطوطات النفيسة القديمة. وخلال سنوات, أصبح حجة وعلامة, وقد قام بعمل فريد من نوعه, هو كتابة "المجراوية". هذه الملحمة التي تتحدث عن عملية الثواب والعقاب, والتي تحكي للمستجيبين, ماذا سيحدث لهم في المستقبل. وانتشرت "المجراوية” في أوساط الموحدين الدروز المتدينين, وأخذت تُتلى في المجالس الدينية, ويجتمع حولها المشايخ والمؤمنون, وارتفع اسم الشيخ سلمان كمؤلف لأثر ديني كبير وذي تأثير في أوساط الطائفة.

وفي تلك الفترة, عاش في منطقة حاصبيا علامة ورجل تقى وديانة, انتشر اسمه في الآفاق, هو سيدنا الشيخ الفاضل, محمد أبو هلال (ر) والذي كان مرجعاً ومقصداً لطلاب الدين, ولكبار المؤمنين من كل حدب وصوب. وقد رغب الشيخ سلمان, في مقابلة سيدنا الشيخ الفاضل (ر) والاجتماع به, فقام بالسفر اليه, حاملا في جيبه نسخة من المجراوية بخط يده. وكان اللقاء حازرً بين الشيخين الكبيرين, وسمع سيدنا الشيخ الفاضل (ر) تفاصيل المجراوية, وباركها وأثنى عليها, وشكر الشيخ سلمان على تأليفها. واستمر اللقاء عدة ايام اجتمع فيها الشيخ سلمان بكبار مشايخ حاصبيا وأهلها, كما التقى بأهله وأقاربه من آل طريف, الذين ظلوا يسكنون مدينة حاصبيا واستمروا في المعيشة فيها.

وبعد سنوات عزم الشيخ سلمان على القيام بزيارة اخرى لسيدنا الشيخ الفاضل (ر), فكتب بخط يده, مخطوطة تضم النصوص التوحيدية, وكان خطه رائعا جميلاً, ونادر وجود خط مثله, وحمل الكتاب, ووصل الى قرية الشويا, ودخل على منزل سيدنا الشيخ (ر) وصحبه, فابتهجوا به ولما قدّم هديته لسيدنا الشيخ (ر), تفرّس فيها, وأعجب بها, وبالخط الغير عادي, وبالشكل الأنيق, وبالمنظر الخلاب, والعمل المتقن, فأثنى على الشيخ سلمان, وقال أمام الحاضرين, انه يُطلق عليه من الآن وصاعدا لقب "الشيخ الكاتب", لجودة خطه وأناقته. مكث الشيخ سلمان حوالي الشهر في معية سيدناً الشيخ الفاضل (ر) وبقية مشايخ المنطقة, ولما عزم على العودة, أوصاه سيدنا الشيخ الفاضل (ر), أولا بحفظ القرآن الكريم, وثانيا ببناء خلوة للصلاة وترك الصلاة في البيوت. ولما عاد إلى البلاد استقبله مشايخ البلاد بالترحاب. وفي أحد الأيام, كان يقرأً أمام المشايخ قصة النبي صالح (ع), فوصله الخبر ان زوجته وضعت طفلاً ذكرا معافى فأطلق عليه اسم صالح. وهنا أصبح من غير اللائق ان تتم صلاة الجماعة في البيت, فسعى الشيخ سلمان الى اقامة الخلوة في مبنى روماني عتيق قريب منهم.

وارتفع اسم الشيخ سلمان في اوساط رجال الدين, وكان سيدنا الشيخ الفاضل (ر) يقوم بتنظيم ندوات دينية يجري فيها مناقشة بعض المسائل والأمور المذهبية, فقرر ان يدعو الشيخ سلمان الكاتب لحضور هذه الندوات, للإدلاء برايه. فكان الشيخ سلمان يترك الخلوة في عهدة مشايخ الخلوة, ويغادر الى الشويا, للاشتراك في مجالس سيدنا الشيخ الفاضل (ر). وقد آن للرفاق ان يفترقوا, فكانت هذه سنة الحياة, حيث انتقل في أحد الأيام سيدنا الشيخ الفاضل (ر), الى جوار ربه, وكان الشيخ سلمان الكاتب حاضراً الوفاة, فاشترك في الجنازة ومراسيم الدفن, وظل حوالي الشهر, يتقبل المعزين ويواسي الأهل والأقارب ورجال الدين في وادي التيم. ولما عاد الى جولس, كتب على نفسه عهدا أن يقوم بتدوين كل ما سمعه وشاهده, من نصائح وتعاليم لسيدنا الشيخ الفاضل (ر) بما في ذلك, كل ما ذكره من أسئلة وأجوبة, وعُقد وحلول, وأقوال مأثورة, وحكم وأمثال, تفوّه بها فضيلة سيدنا الشيخ الفاضل (ر).

وعندما انتقل الشيخ أبو صالح سلمان الكاتب الى جوار ربه عام 1647, دفن في المقبرة الشمالية، لقرية جولس. وقد حصل التباس تاريخي مع الوقت، فقد اعتقد البعض، ان قبره موجود في حاصبيا، وهو هناك، يتار ويضاء. والحقيقة هي، ان القبر الموجود في حاصبيا، هو قبر أخيه الشيخ خير طريف، الذي صدف واسلم روحه, اثناء احدى زياراته لمدينة حاصبيا, فقرروا دفنه هناك.