لم تكن الحدود يومًا لتمنع سيّدنا الشّيخ من متابعة أخبار أبناء الطّائفة أينما كانوا في العالم، فقد كان رحمه الله يستغلّ كلّ مناسبةٍ ولقاء ليسأل عن أحوالهم وأخبارهم، ويطمئنّ على مصالحهم وراحتهم. وقد ربطت فضيلته علاقات ودّيّة عميقة مع إخوانه من دروز سوريا ولبنان، الّذين سكنوا قلبه منذ أيّام مكوثه في خلوات البيّاضة الشّريفة، وبنى معهم أواصر قربٍ وأخوّة شديدة.
وقد برزت هذه المحبّة من خلال زيارات كثيرةٍ طويلة، كرّرها فضيلته إلى الأهل في لبنان، ظلّ فيها شغوفًا بمقابلة الشّيوخ الأسياد، معترفًا بفضل لبنان في تمكين أمر الدّين والرّعاية. كذلك، فقد اجتمع فضيلته مرّات عديدةٍ مع المرحومة السّتّ نظيره جنبلاط الّتي كانت عونًا وسندًا لفضيلته، ورأى فيها فضيلته صاحبة رأي حكيم وفطنة تستحقّ عليها التّقدير.
أمّا عن علاقته مع دروز سوريا، فهي تعود الى المرحلة الأولى لتولّيه رئاسة الطّائفة في فلسطين آنذاك، حيث اعتاد فضيلته على استشارة إخوانه في جبل الدّروز، عارضًا لهم التّحدّيات، وطالبًا منهم النّصح والمشورة في حلّ الأزمات. ولعلّ أحد أبرز هذه العلاقات، تمثّلت بإرسال الإخوة في جبل الدّروز لوفدٍ رفيع المستوى، قدم إلى البلاد عام 1940 برئاسة المرحوم الشّيخ عبد الغفّار باشا، زيد بيك الأطرش وحمزة بك الدرويش، وذلك لتسوية المشاكل وإحلال الصّلح في قرية شفاعمرو في أعقاب مقتل المرحوم الشّيخ أبي صالح حسن خنيفس. وقد أيّد الله مسعاهم وأخذ بيدهم ورفرف السّلام ببركة نواياهم فوق قرية شفاعمرو، ليحلّ الوفد بعدها في جولس ممتثلةً لدعوةٍ أطلقها سيّدنا الشّيخ لتناول طعام الغداء على مائدة بيته.
ولأنَّ جزاء الإحسانِ إحسانٌ، فقد كان أيضًا لسيادته يدٌ بيضاء ناصعة في حلّ المشاكل الّتي شهدها جبل الدّروز، بعدما نجح المغرضون أصحاب النّيّة السّيّئة بالإيقاع بين أبناء الطّائفة الواحدة، وسط تقسيمهم إلى "شعبيّة" و "طرشان"، ودقّ أسافين الخلاف بينهم وإشعال معارك دامية راح ضحيّتها خيرة الشّباب. نتيجةً لذلك، ترأس فضيلته وفدًا رفيع المستوى إلى الجبل، وصل عام 1941 بمعيّة سيّدنا الشّيخ المرحوم أبي حسين محمود فرج، والقائد المعلّم كمال جنبلاط، حيث استقبل هناك أحسن استقبال على يد الزّعيم المرحوم سلطان باشا الأطرش، ونجح بعد عقد المفاوضات في وأد الفتنة العمياء وإرجاع المياه إلى مجاريها في جبل الدّروز.
في عام 1947 استقبل سيادته وفدًا كبيرً ونادرًا من مشايخ لبنان، يرأسهُ فضيلة سيّدنا الشيخ أبو حسين محمود فرج، للمشاركة في مراسم الزّيارة الرّسميّة السّنويّة لمقام النّبي شعيب عليه السّلام في نيسان. على إثر ذلك، ردّ سيادته الزّيارة خلال نفس العام، وترأّس وفدًا من مشايخ البلاد خلال نفس العام للمشاركة في زيارة النّبي أيوب عليه السّلام في بلدة عيحا الّلبنانيّة خلال شهر آب. هناك التقى سيادته بكبار المشايخ من لبنان وسوريا، ليكون اللّقاء الأخير الّذي يجمع أقطاب الدين من سوريا ولبنان وبلادنا، قبل قيام الدّولة، لتصبح العلاقة بعدها عبر الأثير.
مع قيام دولة إسرائيل عام 1948، انقطع الاتّصال بين بلادنا وبين الإخوة ما وراء الحدود، ولكنّ سيادته كان دائمًا ملتزمًا بنفس الموقف الأبيّ في السّؤال عنهم والاهتمام بأمرهم، معبّرًا عن ذلك بقوله: "لا يمكن أن نتخلّى عن أبناء طائفتنا أينما كانوا، ولا يمكن أن تفصلنا عنهم الحدود أو تعقينا القيود".
في عام 1953 أقام فضيلته في قرية جولس موقفًا تأبينيًّا إثر وفاة المرحوم سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج من لبنان.
في حوالي عام 1954 هبّ فضيلته على رأس الطّائفة الدّرزيّة في اسرائيل، معلنين تضامنهم الكّلّي مع الأهل في جبل الدّروز، وقوفًا مع عطوفة سلطان باشا الأطرش وعموم الأهل في الجبل، ضدّ ممارسات الطّاغية أديب الشيّشكلي الّذي تجاهل دور الدّروز في استقلال سوريّا ووجّه نحو ظلمه وتعسّفه، لتنتهي الأحداث بهروبه الى أمريكا الجنوبيّة حيث قُتل هناك على يدّ البطل نوّاف غزالة.
في تاريخ 1968/1/21 قام فضيلته باستقبال أوّل وفد من دروز هضبة الجولان أثناء أوّل زيارة لهم لمقام النّبي شعيب عليه السّلام في حطين.
في تاريخ 1968/1/22 ترأس فضيلته أوّل وفدٍ لزيارة مقام النّبيّ اليعفوري عليه السّلام في هضبة الجولان، لتصبح هذه الزّيارة زيارةً رسميّة حتّى يومنا هذا.
في سنة 1977 وصل إلى سيادته خبر مقتل المعلّم القائد كمال جنبلاط، الّذي أزعج خاطره وأحزن قلبه، مقيمًا في أعقاب ذلك مراسم تأبين رسميّة في مقام النّبي شعيب عليه السّلام ذلك. لم يكن هذا التأثّر عفويًّا، بل أتى على إثر ما جمعه من علاقات حميمة مع أهل المرحوم كمال جنبلاط، الّذي قابله سيادته مرّات عديدة في طور شبابه، ورأى فيه شخصيّة القائد الواعي والمفكّر الباحث. وقد تطرّق المرحوم كمال جنبلاط في كتابه "هذه وصيّتي" إلى الحديث عن فضيلته قائلًا: "وللأسف فإنّنا لم نعد نتّصل بالثّلاثين ألف درزي في اسرائيل منذ زمن بعيد. أمّا في الماضي، أي عندما كانت فلسطين، فإنّهم كثيرًا ما كانوا يقدمون إلى المختارة. إنّهم بعيدون عنّا الآن ولكن لديهم رئيس روحيّ رفيع يقودهم وهو لا يزال على الرّغم من سنّه، أمثولةً في الحكمة والتّعقّل".
في عام 1981 أقام فضيلته موقفًا تأبينيًّا لشيخ البيّاضة الزّاهرة، المرحوم الشّيخ أبي علي مهنّا حسّان، الّذي رافقه خلال أيّام شبابه في مسيرة دراسته الرّوحيّة في خلوات البيّاضة.
في عام 1981 طالب فضيلته الجهات المسؤولة في السّلطات الإسرائيليّة، برفع الحصار الّذي تمّ فرضه حول قرى هضبة الجولان، فاستجابت السّلطات حالًا لطلبه.
في عام 1982 وفي إثر اندلاع الحرب الطّائفيّة في لبنان، تابع فضيلته الأحداث ليل نهار، مستفسرًا في كلّ ساعة عن أحوال الإخوة الدّروز، ومجريًا اتّصالات دائمة مع كلّ الجهات المسؤولة لتأمين الأمن والحماية للطّائفة. وقد انطلق فضيلته بعدها إلى لبنان في تاريخ 1982/7/23 على رأس وفد قام بتشكيله، محدثًا تغييرًا إيجابيًّا ووقوفًا في وجه الانشقاق الّذي هدّد أبناء الطّائفة هناك.
في تاريخ 1982/10/15 قام فضيلته بزيارة خلوات البيّاضة الشّريفة بعد انقطاع دام منذ عام 1948، لتتحوّل تلك الزّيارة لمنهجٍ تقليديّ يقوم مشايخ تلك المنطقة بإحيائه حتّى يومنا هذا.
في عام 1983 ونتيجةً للأحداث المؤسفة والقصف المتتالي على القرى الدّرزيّة في لبنان، على يد السّفن الحربيّة الأمريكيّة وخاصّة المدمّرة البحريّة "نيوجرسي"، قام فضيلته بمقابلة السّفير الأمريكي صاموئيل لويس في تل أبيب، مطالبًا إيّاه بالوقف الفوريّ عن قصف القرى الدّرزيّة في الشّوف الّلبناني، إلى جانب مطالبته لرئيس الحكومة الإسرائيلي مناحيم بيغن، برفع الحصار والحواجز الّتي اقامتها قوّات الكتائب اللّبنانيّة حول القرى الدّرزيّة.
في عام 1984 عقد فضيلته اجتماع نصرٍ احتفاليّ في مقام النّبيّ شعيب عليه السّلام في حطّين، وذلك احتفالًا باسترجاع الشّحّار واستعادة المقدّسات التّابعة للطّائفة بعد الحرب. وقد أصبح هذا الاجتماع نهجًا سنويًّا مباركًا، لا يزال يُقام حتّى يومنا هذا تحت اسم "زيارة الشّحّار".
ولـمّا كانت البيّاضة الزّاهرة لا تزال تحيا في قلبه وذاكرته، قام سيادته في عام 1990 بافتتاح خلوةٍ واسعة الأرجاء في البيّاضة الزّاهرة أطلق عليها اسم "خلوة الصّفديّة"، وذلك تشجيعًا للشّباب المتديّنين من إسرائيل على زيارتها والمكوث فيها خلال فترة دراستهم الرّوحيّة وحفظهم لكتاب الله العزيز.
في عام 1991 أقام فضيلته موقفًا تأبينيًّا إثر وفاة شيخ عقل الطّائفة الدّرزيّة في لبنان، سماحة المرحوم الشّيخ محمد أبو شقرا.
بعد وفاة فضيلته في عام 1993 أقيم لذكراه موقف تأبينيّ كبير في مقام الأمير السّيّد في عبيه، شارك فيه مئاتٌ من مشايخ الدّين وأصحاب المناصب. كذلك، أقيم موقف تأبينيّ آخر في جبل الدّروز، شارك به الآلاف من المشّيعين أبناء الطّائفة والطّوائف الأخرى.