فضيلة سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف

شارك المقالة:
Share on facebook
Share on whatsapp
Share on twitter
Share on email

حياته الشخصية

ولادته

كانت ولادة هذا الولي الطّاهر في سنة 1898 في بيت دين وقيادة عريق. وقد كان والده المرحوم الشّيخ طريف محمّد طريف آنذاك رئيسًا روحيًّا للطّائفة في البلاد وقاضي مذهب. أمّا والدته المرحومة السّتّ أم محمد أنيسة أبو حسن (طريف) فقد كانت من النّساء الصالحات صاحبات الدّيانة في حين كُتب لها أن تتحمّل مسؤوليّاتٍ كبيرةً تجاه زوجها وأولادها وعائلتها.

في هذا البيت الأصيل ولد سيّدنا الشّيخ أمين طريف، رابع وأصغر إخوته الثلاثة المرحومين: الشّيخ القاضي أبو كامل سلمان طريف (1978-1893)، الشّيخ أبو قاسم محمّد طريف, والشّيخ أبو جميل صالح طريف.

منذ نعومة أظفاره، ظهرت بشائر الخير والتّقوى على وجه الشّيخ أمين، الّذي أحبّه كلّ من رآه من قريب أو بعيد، فلقد انفرد بصفاتٍ خاصّة تسبق جيله بعشرات السنين، وظهرت عليه منذ الصّغر صفات الحشمة والوقار والهيبة، تبشّر إنّه من الصّالحين الكبار، مثلًا ما ذُكر عنه أنّه لم يقبل يومًا إلّا بلباس طويل محتشم.

وقد نُقل عن لسان والدته الكريمة إذ شهدت فيه خلال طفولته قائلةً: " عجبًا من هذا الطّفل الغريب. أمين يقلّد الاجاويد في حركاته. لا يلمس الطّعام إلاّ بعد البسملة ولا ينهيه الاّ بالحمد والشكر لربّ العالمين والثّناء على أنبيائه ورسله الأكرمين".  وقد نُقلت وثبتت عن فضيلته كراماتٌ جليلة كثيرة في جيل طفولته، منها أنّه شوهد أثناء تواجده في الخلوة مع ابيه وهو يسجدُ لله تعالى وعمره لا يتجاوز الثّلاث سنوات. وللتأكيد، لم يكن ذلك السجود عفويًّا أو لمرّة واحدة فقط، بل نُقل أنّه كان السجود يتكرر كلّما شهد فضيلته رجال دين ساجدين، وهو ما جعلهم في يقين من أمرهم أنّهم أمام روحٍ كبيرة في جسد طفل صغير، موقنين بكبر منزلته وعلوّ درجته وجزيل حكمته، ممّا جعل أهل الدّين يميلون إليه وهو لا يزال شابًّا يافعًا. ولقد نًقل عن لسان والده المرحوم إذ قال:

"إنّ رجال الدين يميلون ويحبّون ابني أمين أكثر ممّا يميلون إليّ، وإنّني أشعر أنّ مركزي تعزّز وأموري تيسّرت ونفوذي علا منذ أن رزقني الله بطفلي أمين، فالحمد لله تعال كلّ الحمد على هذا العطاء النّادر". وقد قال والده في مناسبةٍ أخرى: "يعجبني ويفرحني ذلك الاهتمام من قبل الإخوة رجال الدّين بابني أمين، حيث لا يلذّ لهم الاّ ذكر سيرته، وكَيْل الحمد له وتوصيتي بإبلاغه سلام حضرتهم". وفي موضعٍ آخر قال الوالد المرحوم واصفًا سرّ طفله أمين وعمران ديانته بينه وبين الله: "عندما أسافر في قضاء مهمّة مهما كانت بالغة الصّعوبة، تعودّت أن أسأل الرّحمن الكريم بتيسير الأمور وتذليل الصّعاب كرامةً لابني أمين، فكان عزّ وجلّ يكتب لي دائمًا التّوفيق الكامل بنيّته".

 كل هذا حدث وأكثر، وفضيلته طفلًا صغير السّنّ، لا يتعدى العقد الأول من عمره الّذي قضاه في إثباتٍ تلو إثبات أنّ بصائر أهل الدّين لم تخطئ الحكم يومًا على هذا الجوهر النّفيس.

تعليمه الابتدائي

تلقّى الشّيخ أمين تعليمه الابتدائيّ في قرية الرّامة، وذلك في مدرسةٍ خاصّةٍ تابعة للجمعيّة الرّوسيّة الملكيّة. وقد استمرّ تعليمه الابتدائيّ مدّة أربع سنوات، تعلّم فيها حتّى أنهى الصّفّ الرّابع الّذي كان الصّفّ الأخير في تلك المدرسة، ليعود من بعدها إلى قريته جولس.

عمله وكسب رزقه

عندما بلغ سيدنا الشّيخ أمين عمر الشّباب، عزم على التّنسّك والانفراد والعبادة والسّير على نهج سيّدنا الشّيخ علي الفارس رضي الله عنه، وذلك تقرّبًا من الله تبارك تعالى، وثقةً منه أنّ الدّنيا دار ممرّ لا دار مستقرّ. بناءً على ذلك، اعتكف الشّيخ أمين الشّاب على طلب الحلال، مصرًّا أن يأكل من كدّ يمينه وعرق جبينه، عملًا بحكمة الأنبياء الصّالحين ومرضاةً لرب العالمين، مقتنعًا بأقلّ القليل، زاهدًا بالكثير الكثير من الدّنيا ومظاهرها.

ولـمّا كانت الطّريق إلى الله تحلو مع رفقة الصّفا وإخوان الوفا، فقد ‏ارتبط سيادته بأواصر المحبّة والصّداقة مع فرقة من إخوان الدّين، الّذين تعلّقوا بسيادته خير تعلّق، ولمسوا منه الفضل والفضيلة، عاكفين على سلك منهجه والتّعلّم منه، حيث تآخوا معًا في الله باحثين لأنفسهم عن أصعب الأعمال والمهن، إرادةَ قهر النّفس وتحصيل الحلال. ولقد ألهمهم الله تعالى بالعمل في قطع حجارة البناء، مستخلصين أنّ فيها مشاقًّا ترهق الجسد وتقهر النّفس، وأجرًا في كونها تستعمل لبناء البيوت وحماية النّاس من البرد والحرّ، ولا بدّ أنّ يكون من بينهم أهل خيرٍ وصلاح.

بناءً على ذلك، انطلق سيادته برفقه إخوانه الشّباب، مختارين لهم موقعًا شرق قرية جولس يسمَّى (المقاطع) وأخذوا يعملون في قطع الحجارة، منفقين ثمن بيعها في شراء احتياجاتهم اليوميّة الأساسيّة.

بعد مدّة من العمل قرر الإخوان إعفاء سيادته من هذا العمل الشّاقّ، موكلين له مهمّة مناولتهم الماء والطّعام. ولـمّا تساءل سيادته عن سبب قرارهم هذا، مشدّدًا على رغبته وإصراره في متابعة العمل الشّاقّ معهم، أجابه رفيقه الشّيخ المرحوم أبو قاسم محمّد قضماني قائلًا: "لقد قررنا إعفاءك من العمل خوفًا من أن يصيب الغبار عيونك الزرقاء، فيحاسبنا على ذلك ربّ العالمين. يا شيخ أمين، عليك ان ترتاح، ونحن سنقوم مقامك في العمل". يكفينا أن نتمعّن في هذا الجواب، لنفهم أنّه دليلٌ واضح على منزلة فضيلته ومحبّة اخوانه له، فكأنّ الله تبارك وتعالى قد قدّر أن يسخّر له قلوب الإخوان، لينفرد سيادته بالسّباق في ميدان التّقوى والمعرفة.

خلوات البياضة الشريفة

لم تهدأ سريرة الشّيخ أمين الشّاب يومًا عن تحصيل العلوم وترويض النّفس. عليه، فقد عزم سيادته على السّفر في عام 1911 إلى خلوات البيّاضة الزّاهرة في منقطة حاصبيّا في لبنان، وهي الّتي كانت تضمّ في ذلك الوقت أولياء أطهاراً وساداتٍ أبرارًا من العابدين والزّاهدين وروّاد المعرفة، الّذين عاشوا هناك حياةَ زهد وورع وتقوى، مستغلّين تضاريس المكان الوعريّة من أجل العيش الورع الزّاهد، ومذاكرة أنواع العلوم طمعًا في رضى الله عزّ وجل.

في خلوات البياضة، استقبل الشّيخ أمين الشّابّ أكرم استقبال، مستذكرين سلفه الرّاحل سيّدنا الشّيخ علي الفارس رضي الله عنه، الّذي ترك لأهل التّوحيد عامّة، وعند آل تراب وآل طريف خاصّةً الكثير من المخطوطات والمدوّنات التّاريخية والشّعريّة النّادرة الّتي كتبها بخطّ يده البديع، والّتي أثرت إلى حدٍّ كبير في شخصية الشّيخ الشّاب أمين طريف، الّذي وصل البيّاضة الزّاهرة مخفيًّا وعاد منها إلى دياره بعد أن حظي بثقة كبار المشايخ هناك.

وقد سُمع عن السّلف حديثٌ ثقة عن زياراته للبيّاضة مفاده أنّ سيادته "خلال أوّل زيارة قام بها الى البياضة، كان في نظر المشايخ شيخًا عاديًّا إذ لم يعرفوه شخصيًّا عن قرب، وقد يكون ذلك لصغر سنّه وحداثة شبابه. وفي ثاني زيارة قام بها إلى هناك كان في نظرهم شيخ مشايخ. وفي الزّيارة الثّالثة كان في نظرهم وليًّا من أولياء الله تعالى".

هناك، في خلوات البيّاضة الزّاهرة، درس سيادته العلم الرّوحانيّ الشّريف، وحصّل ثقافةً دينيّة توحيديّة وروحيّةً واسعة، اقتبسها عمّن عاصروه من شيوخ وأسياد عصرهم، وعلى رأسهم المرحوم سيدنا الشيخ أبي حسين محمود فرج رضي الله عنه، الّذي كرّمه بعد ذاك بتلبيسه العمامة المدوّرة والعباءة البيضاء المقلّمة، اعترافًا منه بفضله وتقواه، وذلك خلال عام 1931.

وقد حصل ذلك خلال إحدى زيارات سيّدنا الشّيخ أمين إلى جبل لبنان، حيث تختلف الرّوايات حول موقع حصول التّلبيس. فقد ذُكر نقلًا عن المرحوم الشّيخ أبي محمد صالح الرّمّال من قرية يركا، أنّ الموقع كان في دارة فضيلة المرحوم سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج في عبيه، ونقل بعضهم أنّ الموقع كان في بلدة نيحا الشّوف، في بيوت أحد الأتقياء من آل البراضعي.

ولكنّ الثّابت من الأمر هو أنّ سيادته تكرّم بلبس العمامة المدوّرة والعباءة البيضاء من يد سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج، الّذي قرّر تتويج سيّدنا الشّيخ امين، واثنين من رفاقه المرحومين، الشّيخ أبي حسن منهال منصور من عسفيا الكرمل (توفّي سنة 1971) والشّيخ أبي يوسف سلمان نصر من شفاعمرو (توفّي سنة 1968م).

بالإضافة إلى سيّدنا الشّيخ أبي حسين محمود فرج، فقد عاصر سيّدنا الشّيخ أمين كوكبةً زاهرةً من الشّيوخ أصحاب الفضل، أمثال سيّدنا الشّيخ أبي علي يوسف أبي إبراهيم من راشيّا في وادي التيم، وسيّدنا الشّيخ أبي حسين ابراهيم أبو حمدان من ميمس قرب حاصبيا، والمرحوم شيخنا الشّيخ أبي علي مهنّا حسّان رفيق شباب سيّدنا الشّيخ أمين. كذلك، فقد ربطت سيادته علاقة ودّ ومحبّة كبيرة مع المرحوم الدّيّان شيخنا الشّيخ أبي حسين فندي شجاع وولده المرحوم شيخنا الشّيخ أبي فندي جمال الدّين شجاع، وكلاهما من مشايخ البيّاضة الأتقياء الأنقياء، الّذين شارك سلفهم في تأسيس خلوات البيّاضة الزّاهرة.

بعد مكوث سيادته الطّويل في خلوات البيّاضة الشّريفة، عزم على العودة إلى قريته جولس، ليطمئنّ على جموع الأهل والإخوان الّذين استلموا كلّ فترةٍ بفترة أخبار إشراقة نجمه، وعلوّ درجته وقدرته فشاقوا إلى لقياه ولثم يديه، وسؤاله عن أحوال البيّاضة ومشايخها وما رأى وسمع منهم من القصص والعلوم.

وقد نُقل عن لسان المرحوم الشّيخ سلمان بدر، بأنّه دعا سيادته قبل عودته إلى البلاد ليتناول الطّعام في بيته، فما كان من سيّدنا الشّيخ إلّا أنّه قبل الدّعوة، واستغلّ انشغال مضيفه لتحضير الطّعام، مختليًا بنفسه وطالبًا من الله تعالى باكيًا أن يعامله بالمسامحة على تكليف الشّيخ، فلما رأى الشّيخ سلمان سيادته في هذا المنظر الرّهيب قال له: "يا حضرة الشيخ ما هو مخفيّ عندك من الأسرار، هو أكبر بكثير ممّا نشاهده ونلمسه منك. أنت لست شيخًا فقط بل سيّدًا وشيخًا ناسكًا عابدًا ".

بعد طول انقطاع، عاد سيادته في عام 1918 إلى قريته جولس، حاملًا في روض نفسه أنواع العلوم في الشّرح والتّفسير والسّلوك، ليتابع هناك مسيرة الوعظ والإرشاد، منبّهًا وموقظاً للنّاس، ومقوّماً كلّ اعوجاج دينيّ واجتماعيّ. وقد صارت جولس محجًّا لأبناء الطّائفة الكثيرين، الّذين جاؤوها وفودًا وفودًا لسماع وعظه والاسترشاد بهديه، متعلّمين منه الهدى وقواعد الحكمة وأصول الشرع الّتي اكتسبها سيادته خلال مكوثه في البيّاضة الشّريفة.

لم يخلُ الأمر خلال هذه المسيرة الّتي قادها من أجل النهضة الرّوحيّة، من مواجهة سيادته لبعض المشاكل والمعارضين الّذين حاولوا مرارًا الوقوف في وجه قراراته وتوجيهاته، تسهيلًا لأنفسهم في مفترضات السّلوك، ولكنّ جواب سيادته كان واحدًا وبقي واحدًا: "نحن مقيّدون بتعاليم أسيادنا في لبنان، ولا يجور لنا أن ننحرف عن طريقهم قيد انملة، ولا أن نخلّ بما رسموه لنا، ولا أن نغير شيئاً إلّا بإذن منهم".

زواجه وكريماته

كان سيدنا الشّيخ أمين مؤمنًا بقدسيّة الزّواج في التّوحيد، متمسّكًا بأهداب ما رسمه الأمير السّيّد عبدالله التّنوخيّ (ق) من مقوّمات الزّواج الدّينيّ واختيار الزّوجة الصّالحة لقوام أمر الدّين، وقد اختار سيادته أن يتزوّج من المرحومة السّتّ أم يوسف ندى حسين نبواني، وهي واحدةٌ من السّيدّات الفاضلات من قريته جولس الّتي ترعرعت في بيت ربّاها على الدّين والتّقوى والرّوحانيّة، ليُكتب لها الحظّ بأن تقترن بأحد اكبر أولياء زمانه، وذلك حتّى وفاتها يوم الأربعاء الموافق 3/11/1982 وتشييعها يوم الخميس الموافق 4/11/1982.

خلال حياتهما المشتركة، توسّم سيادته فيها حبّها للخير ولخدمة النّاس، إذ أخلصت المرحومة في خدمته وتسهيل حياته، وشاركته عبادته وخدمته للأنبياء وأهل الدّين وعموم أبناء الطّائفة الدرزية بكلّ صدقٍ وإخلاص، متحمّلة مشاقًّا وجهودًا عملاقةً في إدارة بيتها الّذي عجّ يوميًّا بمئات الزّائرين. وقد كان وكان سيادته يعاملها بالنّصفة في جميع ما ملكته يداه دينًا ودنيا، محافظًا على كرامتها، محترمًا لها ولرأيها، مشاورًا لها ومساويًا إيّاها بنفسه.

وقد روت إحدى كريمات سيادته قصّة سمعتها منه مباشرةً في هذا الباب، إذ أنّه وقبل قبل إشهار الخطبة كما هو متّفق عليه دينيًّا، صارح سيادته خطيبته المعتمدة قائلًا: "سوف أخبرك عن حالي بأمانة وطبقًا لشرح سيّدنا الأمير قدّس الله سرّه. فأنا لا أستطيع العمل ابداً، ولا أقوى على فلاحة الأرض، وليست عندي رغبةٌ في رؤيتها والانشغال بها. لا يهمّني إلّا شيء واحدٌ وهو العبادة وخدمة الأجاويد. لا أملك من هذه الدّنيا إلا ما أعمل من خير، ولا بدّ أنّك ستجدين معي صعوبة في المعيشة حيث أنّنا قد نجد طعامًا وأحيانًا قد لا نجد. أنا لا أملك إلّا القليل القليل من المال، فإذا قبلت بوضعي هذا سيجزيك الله عنّي خيرًا".

ولأنّ الطيّبات للطّيّبين والطّيّبين للطّيبات، فقد وافقت المرحوم السّتّ أم يوسف على كل هذه الشّروط، عالمةً أنّ الله لن يضيّع وليًّا من أوليائه، لتقضي باقي عمرها طائعةً لسيدنا الشيخ، حافظة لحقوقه وودّه، مجتهدةً بتخفيف التّعب عنه، ومتحمّلةً اعباء ومسؤوليات كبيرة في سبيل سعادته وراحته.

ولقد رزق سيّدنا الشّيخ أمين من هذه الستّ الفاضلة خمسًا من البنات الدّيّنات الصالحات، الّلواتي تربَّين على الدّين والطّاعة وتعلّمن من والديهما حسن الاستماع وحسن الخُلق، فصرنَ رمزًا للأخلاق الحسنة والعفّة والاجتهاد في الطّاعة، بعد أن درجَ الصّدق على ألسنتهنّ، وبرزت الأمانة في عملهنّ، سائرات على نهج والدهنّ، باذلاتٍ للّيل والنّهار في سبيل خدمة الإخوان دون ضجر أو ملل، غير غافلاتٍ عن جميع واجباتهنّ تجاه بيوتهنَّ وأولادهنَّ وبناتهنَّ، الّذين تلقّوا على أيديهنّ الكريمة ذات التّربية الفريدة الحسنة.

وقد تربّى أحفاد سيادته على سيرته ومنهجه، وعاينوا منه ما سمعوه ورأوه من فضله وفضيلته، حتّى أنّهم لم يناموا يومًا على فراشهم إلّا بعد زيارة سياداته وسؤال خاطره. وقد روت بعض حفيداته عن دقّته وتعليمه محدّثةً: "ذهبت يومًا لسؤال خاطر سيدي الشّيخ امين في بيته، وحين دخلت إليه قبَّلت يده وجلست بجانبه، فعزمني على تناول بعض الحلوى الموجودة على الطّاولة الّتي كانت أمامنا فاعتذرت. وبعد قليلٍ، رادوني أن أغيّر رأيي فقمت لأتناول شيئاً من الحلوى، حتّى ناداني جدّي قائلًا: " يا سيدي لا يجوز أن تأكلي شيئًا لأنك عقدت النّيّة واعتذرت عن ذلك قبل قليل، وإن أكلت سيكون ما تأكلينه حرامًا. لذا، وحتّى لا أحرمك أخرجي من البيت برهةً ثم ارجعي إلى هنا لأعزم عليكِ الحلوى مرّة أخرى فتستطيعين عندها المجابرة كما تشائين". فلمّا سمعت منه ذلك قلت له: "لا اريد شيئًا سوى رضاك وصفاء خاطرك"، ثمّ استمريّت في الجلوس بجانبه مستمعةً إلى حديثه الأنيس، حتّى دخل أحد أولادي الصّغار، وتوجّه نحو طاولة الحلوى ليتناول منها شيئاً، فصحت عليه كي أمنعه، فقال لي سيادته: "لا يجوز لك أن تكسري خاطر ابنك وتحرميه من تناول الحلوى. إعلمي أنّ الولد له كرامة، وعلينا بحفظ كرامته وحقوقه والاَّ طالبنا بذلك ربّ العالمين. عليك أن تشجّعيه أن يسلك السّلوك الحسن، ويتناول الحلوى بأدب ولياقة، لان المستقبل له وليس لك".

فسبحان من حرّك قلب هذا الوليّ الصّالح إلى الخير، وألهمه التّوحيد في حركاته وسكناته وأحاديثه، وتدقيقه في صغير الأقوال والأفعال.

توليته الرئاسة ووفاته

في عام 1928 توفّي والد سيادته الشّيخ محمّد طريف، وذلك بعد أربعين عامًا على تولّيه مسؤوليّة الرّئاسة الرّوحيّة. ولــمّا كان لا بدّ من تعيين رئيسٍ للطّائفة خلفًا له، وقع الاختيار بالإجماع على تنصيب سيّدنا الشيخ أمين، الّذي عارض ذلك في بداية الأمر أشدّ المعارضة، إلى أن أجبر على قبول خواطر الثّقات من شيوخ البلاد ووجهائها، ليستلم بعدها مهامّ خدمة الطّائفة من خلال موقع الرّئاسة الرّوحيّة، وذلك حتّى يوم وفاة سيادته الّتي وافقت ليلة الأحد في تاريخ 2/10/1993، وهو في تمام الصّحّة والعافية.