فضيلة سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف

شارك المقالة:
Share on facebook
Share on whatsapp
Share on twitter
Share on email

فضيلة الشيخ طريف محمد طريف – الرئيس الخامس

وهو الرئيس الروحي الخامس للطائفة الدرزية في فلسطين من بيت طريف, وقد شغل منصبه هذا في أواخر القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين. وكان قد ولد في بيت الرئاسة الروحية, لوالده المرحوم الشيخ محمد طريف, الرئيس الروحي الثالث للطائفة من بيت طريف, والذي توفي عام 1864. وقد نشأ الشيخ طريف منذ نعومة أظفاره, يشاهد القيادة والرئاسة بأم عينيه في بيت عريق, وكان مطلعا ملما بالأمور مشاركا, وذلك في حياة والده, وكذلك في حياة أخيه المرحوم الشيخ مهنا طريف, الذي انتقل إلى رحمته تعالى عام 1889, بعد أن قام بإنجازات كبيرة للطائفة الدرزية. وقد تسلم الشيخ طريف الرئاسة الروحية في الموقف الجنائزي الكبير, الذي جرى للمرحوم أخيه عام 1889, فلم تكن الأمور غريبة عنه, وصمم أن يبذل جهودا كبيرة من أجل الاعتراف بالطائفة الدرزية كطائفة مستقلة في الدولة العثمانية, ومن أجل أن تحصل على الحقوق والامتيازات التي منحتها الدولة للطوائف المعترف بها. وقد سعى لدى السلطات العثمانية, للحصول على اعتراف شرعي لكيان الطائفة الدرزية وحقها بتعيين قاضي شرعي يعالج أمور الأحوال الشخصية عند الدروز في البلاد, أسوة بإخوانهم في سوريا ولبنان. وقد تكللت جهوده بالنجاح, فقد صدر عام 1909 فرمان عثماني, بتعيين الشيخ طريف قاضي مذهب في بلاد فلسطين, ومنح من قبل السلطات العثمانية, صلاحيات معالجة الأمور الشرعية للطائفة الدرزية في بلادنا, وتعيين شخصيات دينية درزية في مناصب مأذونية مختلفة. ويعتبر هذا التعيين أول اعتراف رسمي يحصل عليه أبناء الطائفة الدرزية في البلاد من قبل السلطات. وهكذا حصل فضيلة الشيخ طريف طريف على اعتراف رسمي بمنصبه كرئيس روحي وكقاضي مذهب. وقد نشر عن هذا الموضوع الدكتور سلمان فلاح مقالا في مجلة "العمامة” يستعرض فيه الأحداث والمراسلات المتعلقة بهذا الشأن ننشر قسما منه لأهميته التاريخية:
" كان عدد الدروز في فلسطين في العهد العثماني قليلا, وتراوح بين 15-10 ألف نسمة. ولم تكن لهم حالة قانونية خاصة. وقرر في عام 1909 مجلس ولاية بيروت, التي كان دروز فلسطين تابعين لها, أن يسري عليهم أمر الباب العالي, الذي اعترف باستقلالية دروز لبنان. وقد أرسل والي بيروت, أدهم بن مسعود, لمتصرفية عكا, جوابا لتوجهات وطلبات الدروز, أن تتم معاملة قضاياهم الخاصة, في محاكم منفردة, قائلا إن رسالة شيخ الإسلام لقاضي حاصبيا عام 1890, سارية المفعول بالنسبة للدروز في لواء عكا أيضا, وأضاف أنه من الواجب تنفيذ أوامر الباب العالي برمتها, بالنسبة لجميع الدروز, وتجنب المحاكم الشرعية معالجة أمور الزواج والطلاق والوصية والورثة عند الدروز. وبتاريخ 20 نيسان عام 1909 أعلن والي بيروت, أمام مسئولين في عكا, أنه استجابة لعرائض قدمها مشايخ ووجهاء الطائفة الدرزية لنظارة الداخلية في الآستانة, وحولت إليه, فهو يوصي بتعيين الشيخ محمد طريف طريف (اسم الشيخ هو طريف, لكن المتبع هو إضافة الاسم محمد لكل شخصية مبجلة) قاضيا للدروز, وهذا استنادا إلى قرار مجلس الولاية.
وقد قبل متصرف عكا توصية والي بيروت, وعين الشيخ طريف أول قاض للدروز في فلسطين وذلك في نفس السنة. من هنا يمكن القول إن دروز فلسطين حصلوا على اعتراف شبه رسي بهم كطائفة مستقلة (الفرق بين دروز لبنان وفلسطين من هذه الناحية, هو أن دروز لبنان حصلوا على اعتراف صادر من الباب العالي, أما دروز فلسطين فالاعتراف بهم جاء من رئاسة ولاية بيروت). ومنذ ذلك الوقت, توقف المواطنون الدروز من التوجه للمحاكم الشرعية الإسلامية, فقد عين من بينهم قاض درزي يحكم حسب قوانين الشرع الدرزي, لكن هذا الاعتراف لم يؤد إلى إقامة مؤسسات طائفي, ولا إلى تأسيس محاكم دينية درزية, وصلاحيات القضاء التي منحت للشيخ طريف, كانت محدودة, إذ انها فرضت على الدروز التوجه إليه, فقط في حالة موافقة الطرفين صاحبي الشأن. زد على ذلك, أن هذا الاعتراف لم يكن بأمر سلطاني, أو بموجب قانون سن في مؤسسة معترف بها, وإنما جاء بقرار من ولاية بيروت, ولهذه النقطة أهمية, فعندما فرض الانتداب البريطاني على فلسطين, استغل الانجليز هذه النقطة. ولم يعترفوا بالطائفة كطائفة مستقلة, ولم يسمحوا بإقامة محاكم خاصة. لكن كان لهذا الاعتراف جانب آخر هام جدا بالنسبة لدروز فلسطين, وبالنسبة للشيخ طريف طريف, وهو أن تعيينه قاضيا لشئون دروز فلسطين, جعله قاضيا مسئولا عن دروز بيروت أيضاء حيث ان التقسيم العثماني كان يضم دروز بيروت إلى ولاية عكاء فالقاضي المسئول عن دروز فلسطين من عكا, مسئول في نفس الوقت عن دروز بيروت. وقد كانت تسكن بيروت في تلك الفترة أعداد لا بأس بها من العائلات الدرزية, التي كانت منفصلة قي ذلك الوقت عن الأغلبية الساحقة من سكان لبنان الدروز, الذين سكنوا في الشوف وعاليه والمتن والبقاع وحاصبيا. وبالرغم من أن دروز بيروت كانوا أقرب إلى الشوف من عكاء إلا ان التقسيم كان هكذا. وقد مارس الشيخ طريف صلاحياته في مسئوليته عن دروز بيروت عام 1908 عندما أثيرت قضية تربة الدروز في بيروت, فقام الشيخ طريف بتعيين قاض ينوب عنه في بيروت, هو الشيخ محمد أفندي روضة. وقد ورد في النشرة التي أصدرتها جمعية التضامن الخيري الدرزي, المسئولة قانونيا عن أوقاف الدروز في بيروت, ومن ضمنها تربة بيروت ودار الطائفة والتي تأسست عام 1930 وهذا التقرير صدر عام 1980 وذكر فيه قيما يتعلق بتربة الدروز في بيروت, وحيث قام البعض باغتصاب أقساما منها, واقتطع الاخرون المجاورون لها في السنين الغابرة أقساما أخرى, ضمت إلى املاكهم المجاورة. وقد ورد في هذه النشرة القول:
"اتجاه هذا الواقع, تنادي دروز بيروت للاجتماع والعمل على صيانة مقبرتهم من التعدي, فألّفوا لجنه منهم أخَذت على عاتقها صيانة الوقف وإحاطته بتصوينة, وراجعت اللجنة سماحة شيخ عقل الدروز في عكا, الشيخ محمد طريف طريف, لأن دروز بيروت آنذاك تابعون له في عكا, بحكم انتمائهم لولاية بيروت العثمانية, ومنفصلين عن متصرفية جبل لبنان وإخوانهم في الشوف وعاليه, بالرغم من قربهم منهم, فما كان من سماحة شيخ العقل المغفور له, الشيخ محمد طريف طريف, إلا أن عين نائبا عنه, المرحوم الشيخ محمد أفندي روضة في بيروت, لرؤية وفصل المعاملات والدعاوى المذهبية المتكونة بينهم, في النظر لعدم وجود رئيس روحي لهم بهذا الظرف..ألخ وذلك سنة 1326 هجرية. لقد ساعد تعيين قاضي مذهب منهم على مؤازرة اللجنة الموكلة للمحافظة على الوقف والتقدم من الحكومة العثمانية للمراجعة والشكوى من التعدي, وبذلك تمكنوا من صيانة الوقف مؤقتا, وكان ذلك في عام 1326 هجرية الموافقة 1904 ميلادية, النشرة ص 11".
وقد ذكر هذا التعيين في كتاب " الوصية والميراث عند الموحدين الدروز” تأليف الشيخ مرسل نصر, قاضي المذهب, والشيخ حليم تقي الدين, رئيس محكمة الاستئناف العليا, الصادر في بيروت, عام 1983 ص 38:
"أول قاضي مذهب في ولاية بيروت, هو الشيخ محمد علي روضة, المولود سنة 1851 والمتوفي سنة 1941, هذا صك تولتيه القضاء من رئيس مذهب الدروز فيِ ولاية بيروت (الشيخ طريف طريف):
" لجانب الماجد الشيخ محمد أفندي روضة المحترم
بعد حمد الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله, ننهي إليكم بان الجم الغفير من إخواننا الدروز قي راس بيروت, طلبوا منا تعيينكم نائبا في بيروت, لرؤية المعاملات والدعاوى المذهبية المتكونة بينهم بالنظر لعدم وجود رئيس روحي لهم بذاك الظرف. وحيث أن دعاوى النكاح والوصية والميراث بين الدروز, ترى وتفصل بموجب أمر مشيخة الإسلام الجليلة, المؤرخة في 20 شباط سنة 1306 نومرو 375 وأمر ولاية بيروت الجليلة بتاريخ 21 ذي القعدة سنة 1326 وأول كانون الأول سنة 1324 ونمرة 468 بمعرفة المشايخ, وجد من الضروري إجابة طلب إخواننا المذكورين, وبناء عليه, وبالنظر لما نعلمه من صلاحكم وتقواكم واهليتكم وكفايتكم, صار تعيينكم وكيلا عنا لرؤية الدعاوى المذهبية الدرزية, وإصدار الأحكام والاعلامات العادلة بخصوصها, ضمن دائرة الشريعة الغراء والمذهب. وقد عرضنا كيفية تعيين جنابكم لأمر ولاية بيروت الجليلة, فباشروا وظيفتكم من تاريخه, بعد الاتكال على الله تعالى على الوجه المشروع, واللّه يوفقكم لما يحبه ويرضاه.
تحريرا في غرة ذي الحجة سنة ألف وثلاثمائة وستة وعشرون هجرية, الموافق عشرة كانون أول سنة 1324
حرره الفقير إليه سبحانه, رئيس مذهب الدروز في ولاية بيروت
محمد طريف ".

وذكر في " معجم أعلام الدروز" تأليف الأستاذ محمد خليل الباشا, الصادر عن الدار التقدمية عام 1990 في المجلد الأول, ص 534 عن الشيخ محمد بن علي روضة ما يلي:
" ولد في بيروت, وكان شيخا تقيا دينا, يتصف بالتسامح وحسن الأخلاق, فعلا شأنه في قومه وبين عارفيه, وبما أنه لم يكن في بيروت رئيس روحي, وكان الناس يذهبون في شئونهم المذهبية إلى جبل لبنان أو بحرا إلى فلسطين, فإن والي بيروت سمح للشيخ محمد طريف سنة 1909 بأن ينظر في أحوالهم الشخصية على طريقتهم التقليدية, دون السماح لهم بإقامة محاكم مذهبية درزية. والشيخ محمد طريف, كلف الشيخ محمد روضة, أن يتولى الأحكام في عشيرته, عندما يتعذر الوصول إلى المحاكم المذهبية في جبل لبنان, فقام بهذه المهمة خير قيام, وكان أخا وابا وصديقا ومرشدا للجميع.".

وجاء في كتاب الدكتور سليم حسن هثي "دروز بيروت, تاريخهم ومآسيهم‎",‏ الصادر عن دار لحد خاطر عام 1985, ص 86 ما يلي:
".. لقد كنا دائما وابدا منذ القدم, مرتبطين شرعيا بدائرة الإفتاء في بيروت, وبعد فصل بيروت عن الجبل, أضحت الطائفة تابعة لعكا, وقام شيخ عقل الدروز, الطيب الذكر محمد طريف, بتكليف الشيخ محمد أفندي روضة, لرؤية وفصل المعاملات والدعاوى المذهبية المتكونة بينهم, بالنظر لعدم وجود رئيس لهم بذلك الظرف..". يورد الدكتور هشي صورة لصك تولية الشيخ محمد روضة في الكتاب ص 85.
وفي فترة الانتداب البريطاني, لم تعترف سلطات الانتداب بالدروز كطائفة مستقلة, ولم تمنحهم صلاحية إقامة محاكم دينية. في البداية قلصت سلطات الانتداب, من صلاحية قاضي الدروز, وحصرتها في الأحوال الشخصية فقط, ففي أمور الوصية والوراثة, اعترف به إذا وافق الطرفان على التوجه إليه. وفي عام 1922 وضعت حكومة الانتداب دستور فلسطين, وفيه اعترفت بالمحاكم الدينية القائمة آنذاك. وبما انه لم تكن للدروز محاكم خاصة, لم تضمهم سلطات الانتداب بين الطوائف المعترف بها, ولم يعطوا حق إقامة محاكم خاصة. وفي عام 1932 قلصت مرة أخرى صلاحية القاضي الدرزي, وحصرت في الأحوال الشخصية, ولم يسمح له بالبحث بشئون الوصية والميراث. وكان الدروز في سنوات الانتداب الأولى قد توجهوا للإدارة العسكرية, وطلبوا اعترافا باستقلالهم الطائفي, وتثبيت تعيين الشيخ طريف طريف قاضيا للدروز, مثلما كان في العهد العثماني. ورد على التوجه السيد ستانتون, الحاكم العسكري في حيفا رسالة بعثها للشيخ طريف طريف بتاريخ 7 تموز 1919 جاء فيها:
" إلى حضرة قاضي مذهب الدروز الشيخ طريف الجزيل الاحترام بجولس
بعد السلام: لقد افادني جناب القاضي القضائي في القدس الشريف, أننا نصادق على الإذن الصادر لكم من قبل الحكومة العثمانية, بتسوية مسائل النكاح على مقتضى شريعتكم, أما في الشئون الإرثية, فصلاحيتكم لحل المسائل سارية, حيث يرضى بها الخصمان, على ما هو مبين في مذكرة متصرف عكا الأسبق, التي بيدكم, وحيث لا يرضى الخصمان, فالمرجع المحكمة الشرعية والسلام.
حيفا 7 تموز 1919 الحاكم العسكري".

ومعنى ذلك أن السلطات الإنجليزية, تقر صلاحياته بمعالجة الأحوال الشخصية الدرزية. أما في أمور الوصية والميراث, فهذا مرهون بموافقة الطرفين, وإذا لم يوافق أحد الطرفين, تبقى الصلاحية في المحكمة الشرعية. وفي أعقاب هذه الرسالة توجه الشيخ طريف وتقدم بالتماس إلى رئاسة المحكمة في حيفا جاء فيه:
" لجناب رئاسة محكمة بداية حيفا العلية
المعروض علي أنني معين رسميا بأوامر عالية قد صدق عليها حاكم حيفا العسكري, وعممها لمن يلزم, لا جل اعتباري قاضيا لطائفة الدروز بلواء عكا, مفوضا بتحرير التركات والوصيات والنكاح والطلاق الخاصة بتلك الطائفة, فبناء عليه أسترحم صدور أمركم لحكام الصلح في عكا وحيفا, ليودعوا لي أمثال هذه القضايا متى وصلتهم لأفصل بها ولآمر بأمركم في كل حال.
الداعي محمد طريف
قاضي طائفة عموم الدروز بلواء عكا".

وأجاب رئيس المحكمة في حيفا بتاريخ 11 تشرين أول 1919 للشيخ محمد طريف, أن السلطات المختصة أوعزت لقاضي الصلح وللقضاة الشرعيين في حيفا وعكا, الأخذ بعين الاعتبار, السماح الذي منح للدروز بمعالجة أحوالهم الشخصية حسب قوانينهم. أما بالنسبة لقضايا الوصية والميراث, أضاف الرئيس, أنه إذا لم يوافق أحد الطرفين على ذلك, تتحول القضية للمحكمة الشرعية. ويستشف من محتويات الرسالة أن السلطات في قضاء عكا لم تنفذ أوامر الباب العالي, في استقلال دروز لبنان, وترددت في قبولها لذلك, وكان التوجه للوالي للحصول على الجواب. وبالنسبة للأمور الأخرى المتعلقة بالأحوال الشخصية عند الدروز, عدا الأشياء التي ذكرت, فقد تقرر إحالتها للمحاكم المدنية. ومعنى ذلك أن المحاكم الشرعية الإسلامية, فقدت صلاحية معالجة الأحوال الخاصة للدروز. وقد توجه الدروز في العشرينات بعريضة موقعة من كافة وجهاء الطائفة إلى السلطات, مطالبين بإقامة مؤسسات طائفية واعتراف رسمي بالطائفة, لكن جوابا لم يصل. وقد أرسل متصرف لواء حيفا بتاريخ 2 أيار عام 1924. رسالة للشيخ طريف طريف, يعلمه فيها أن سلطات الانتداب لا تستطيع الإجابة لطلبات الدروز, لأن دستور عام 1922 يسمح لهم بالاعتراف بالمؤسسات التي كانت قائمة, وقت الاحتلال أثناء الحرب العالمية الأولى, واعترف بها بواسطة فرمان عثماني أو أي أمر سلطاني آخر. وبما أنه لم تكن للدروز مؤسسات كهذه, فلا مجال للاعتراف بهم. وبعد وفاة المرحوم الشيخ طريف طريف عام 1928, عين مكانه ابنه الشيخ سلمان طريف, بموجب رسالة من حاكم لواء حيفا مؤرخة بتاريخ 16 كانون ثان 1929.
هذا فيما يتعلق بموضوع القضاء حسب الشريعة الدرزية, أما بالنسبة للمواضيع الدينية الأخرى, المنبثقة من وظيفة رئيس روحي للطائفة الدرزية, فقد كانت الأمور أكثر وضوحا وأخذت تسير في موقعها الطبيعي المعهود, فقد قام فضيلة الشيخ طريف بالتشاور مع مشايخ الدين الدروز في القرى المختلفة, كما جمع عددا منهم, وأجروا زيارات في كافة القرى, للاطلاع على أوضاعها, وإجراء مراسيم الصلح والتصافي بين الذين وقعت فيما بيهم خصومات ونزاعات. وبعد النجاح الكبير الذي حققه المرحوم أخوه الشيخ مهنا طريف, في بناء جناح جديد لمقام سيدنا شعيب (ع) وترميم المبنى القديم, قام فضيلة الشيخ طريف, بترميم وتوسيع مقام سيدنا نبي الله الخضر (ع) في قرية كفر ياسيف, فجهز المقام لاستقبال المصلين والزائرين ولإيفاء النذور, ووضع ترتيبات للزيارة وللمبيت في المقام, من أجل راحة الزوار, الذين كانوا يقدمون من أماكن بعيدة للتبرك بالمقام الشريف. كما وأضاف جناحا جديدا لمقام سيدنا شعيب (ع), بعد أن جعل الشيخ مهنا المقام قبلة للزائرين, ومحجا للمصلين, وهدفا لزيارة كافة أبناء الطائفة الدرزية من كل مكان, سواء في موعد الزيارة الرسمية في 25 نيسان, أو خلال أيام السنة. وقام ببناء القناطر التي ما زالت موجودة في مقام سيدنا الخضر (ع) بجانب قرية دير الأسد. وبعد تم تعيين فضيلة الشيخ قاضي مذهب للطائفة الدرزية من قبل السلطات العثمانية, ليبت في الأحوال الشخصية لأبناء الطائفة الدرزية, دعي إلى إسطنبول, لمقابلة السلطان العثماني, فقام بهذه الزيارة وتم استقباله بحفاوة وتكريم, مما قوى وعزز من مكانة الطائفة الدرزية في المنطقة, وبين الشعوب التي تشكل الإمبراطورية العثمانية. وقد كان مسئولا كذلك عن شؤون القضاء لدى دروز البلاد وكذلك دروز بيروت كما ذكر. وفي عهده وقعت أحداث جسيمة في المنطقة وفي العالم, فقد ساءت العلاقات بين الدروز في الجبل وبين الإمبراطورية العثمانية, وجردت الدولة عدة حملات لمهاجمة الجبل, وكان الشيخ طريف يحث السكان على تقديم العون والدعم للإخوة في الجبل. وفي عام 1914 بدأت الحرب العالمية الأولى, وكانت الدولة العثمانية من بين الدول الرئيسية المشاركة في الحرب, مما اضطرها إلى تجنيد كافة الشباب في مناطق حكمها, وتخصيص كافة الموارد للحرب, فضيقت الخناق على السكان في كل مكان, وقامت السلطات بالضغط على المسئولين, ومن بينهم الرئاسة الروحية, لدفع الضرائب, وتجنيد الشباب, وتقديم السلاح وتوفير المؤن للمجهود الحربي. وقد جند مئات الشباب الدروز في البلاد, واستشهد مهم عدد كبير, من الذين تركوا قراهم وبيوتهم ولم يرجعوا. وفي عام 1925 وقعت الثورة السورية الكبرى, بقيادة الزعيم سلطان باشا الأطرش, مما سبب في خراب القرى الدرزية في الجبل, ففتح دروز بلادنا بيوتهم لكل عائلة قدمت من جبل الدروز, أو من هضبة الجولان, أو من جنوبي لبنان, ووجدت مأوى في قرى الجليل والكرمل, بتشجيع من الرئيس الروحي الشيخ طريف طريف, الذي زار القرى وأتطلع على أوضاع السكان والذين لجأوا إليهم.
وقد كان الشيخ محمد شيخا تقيا ورعاء متمكنا من الأمور الدينية, عالما بالمكنونات والكنوز العقائدية, متبحرا بكل ما تحويه الكتب التوحيدية التي حفظها الدروز وحفظتهم خلال مئات الستين. وقد كان يجمع المشايخ الأفاضل من كل حدب وصوب, لدراسة الأمور الحياتية المنبثقة من التعاليم الدينية, وذلك من اجل توعية الأجيال الجديدة, وحثها على التقيد بالمبادئ والفضائل الدينية, وكان له حضور في كل محفل رسمي وأهلي, يجري في منطقة الجليل والنواحي الأخرى, فكان وبالرغم من أنه يمثل طائفة صغيرة, إلا انه كان يعتبر في مقدمة رجال الدين من كافة الطوائف, حيث كان الكل يحترمه ويجله, فقد كان على وفاق مع الجميع, من مسلمين ومسيحيين ويهود وأجانب وفارسيين وغيرهم. وكان صديقا لرئيس الطائفة البهائية في عكا, والذي مثل الامبراطورية الفارسية في البلاد, وقد حصل فضيلة الشيخ على اعتراف من الامبراطورية الفارسية كممثل لها كذلك, بسبب عطفه وحمايته للطائفة البهائية في البلاد. وكانت علاقاته مع الدروز في لبنان وفي سوريا متينة وقوية, فهو لم يفرق بين يزبكي وجنبلاطي في لبنان, وبين الشعبية والطرشان في سوريا, وإنما عامل الجميع بالتقدير والاحترام, فاحبوه واستشاروه وراوا به زعيما درزيا لكل الدروز. وقد وصل اهتمامه إلى دروز جنوبي أمريكا, فقد أرسل نجله البكر, الشيخ سلمان إلى الأرجنتين, لتفقد أحوال الجاليات الدرزية هناك, ولمد يد المساعدة لهم في الشؤون الدينية والروحية. وكانت علاقته قوية مع الدولة العثمانية ومع المواطنين والزعماء العرب في البلاد, وكان في نظر عرب البلاد أحد كبار الوجهاء في فلسطين. ففي عام 1908 بعث وجيه مدينة عكا والمنطقة الحاج أسعد الشقيري (والد أحمد الشقيري) برسالة مع مبعوث خاص وجهها للشيخ طريف, يطلب منه فيها أن يدعمه ووجهاء دروز المنطقة, في ترشيحه لمجلس "المبعوثان" العثماني, فاستجاب الشيخ طريف لهذا النداء, وجند زعماء المنطقة لدعم الحاج أسعد الشقيري للمجلس, وكان ذلك عاملا هاما في فوزه ودخوله لهذا المجلس, وبروزه وظهور ابنه أحمد على الساحة الجماهيرية في تلك السنين. وجدير بالذكر أن مرشحا معروفيا فاز بالانتخابات في تلك المرحلة, ودخل هو كذلك مجلس "المبعوثان” وهو الأمير شكيب أرسلان, الذي انتخب عن منطقة حوران, ومثل الطائفة الدرزية وجماهير منطقته في هذا البرلمان العثماني المعروف.
وقد توفي فضيلة الشيخ طريف بعد سلسلة كبيرة من الأعمال والإنجازات, عام 1928 وخلفه, نجله سيدنا الشيخ أبو يوسف أمين طريف, كرئيس روحي للطائفة الدرزية في البلاد, ونجله الشيخ أبو كامل سلمان طريف, كقاض للأحوال الشخصية. وقد تحدث عن جنازةٍ المرحوم الشيخ طريف, صديق العائلة, الشيخ أبو محمد حسين عزام حلبي, من دالية الكرمل, في مقال نشر في مجلة "العمامة", حيث شرح الشيخ عن العلاقات التي سادت بين أسرته وأسرة طريف, فقد عاصر المرحوم والده, الشيخ ابو يوسف عزام حلبي, المرحوم الشيخ طريف طريف, الذي قاد الطائفة الدرزية في البلاد في اواخر القرن التاسع عشر, وأوائل القرن العشرين. ويذكر الشيخ ابو محمد جنازة المرحوم الشيخ طريف, التي جرت عام 1928 في قرية جولس, وكان عمره ثمانية عشر سنة, فقد وصل خيّال من جولس, وأبلغ سكان القرية بنبأ وفاة الشيخ, وبأن الجنازة ستجري في اليوم التالي, وقد تهيأ مشايخ آل عزام, ومعهم الشيخ ابو محمد, وسافروا على الخيل في منتصف الليل, واستغرق وصولهم مدة ست ساعات, حيث بلغوا قرية جولس مع إشراقة الصباح, وهناك فوجئ أهالي جولس, بأن أهالي الدالية وصلوا قبل أهالي القرى المجاورة. وقد تجمّعت وفود المشايخ من كل القرى الدرزية في المناطق القريبة, وخاصة من قرى جنوب لبنان, ومن هضبة الجولان, ومن منطقة دمشق, بالإضافة الى أعيان ووجهاء البلاد من الطوائف الأخرى, حيث كانت تربط الشيخ علاقات وثيقة مع كافة المسؤولين والوجهاء من المسلمين والمسيحيين واليهود. وجرت جنازة من أكبر الجنازات, ويذكر الشيخ ابو محمد بصورة خاصة, الندب المميز على المرحوم, الذي قام به الشيخ سلام ملاعب من قرية بيصور.